بيت الثعابين قصة عبد السلام ابراهيم

بيت الثعابين
قصة
عبد السلام ابراهيم

حين فرغ الحاوي من جمع "الطريشات" المختبئة في الجحور ، والتقاط الثعابين المتسلقة أسطح بيوت نجع "الزلافي" ، توجه بخطوات سندبادية إلي بيت الخالة حليمة المتبقي من بيوت النجع ، يحمل علي كتفه "الجروية" البيضاوية والمكدسة بالثعابين والطريشات 00هي مسافة أخري عند نهاية الدرب الضيق المؤدي لبيتها ويكون قد جمع كل الحيات المخبوئة في النجع ، عند باب بيتها وقف يطرق بعصاه :
-مين عالباب
- أنا الحاوي خدام سيدي الرفاعي 0
رفع عصاه ودفع بها الباب فوجد الخالة حليمة تحاول الوقوف متكئة علي السرير الجريدي الذي تنام عليه ، ظهرها المقوس يعوقها من النظر إليه ، لكنها جاهدة رفعت رأسها وهي تغطي شعرها الأبيض بطرحتها القديمة 0متصدرا الباب وقف بقامتة الطويلة وشاربة الكثيف يسد النور النهاري من الدخول0أسند "الجروية" المملوءه بالثعابين داخل الباب00نظرات خافتة تصوبها الخالة حليمة ناحيتة ، تغمض عينيها لبرهه وتفتحهما فتجده يتقدم للأمام0عندما وصل إلي السقيفة التي تقف فيها ، وهو يجول ببصره في الجدران ، توقفت الجولة البانورامية عند السطح فقال :
-الطريشة فوق السطحة 0
لم ينتظر إيجابا من الخالة حليمة ، وانما تقدم بصدره مشمرا كمي جلابيتة ، رفع عصاه لأعلي مشيرا ومحددا مكان الطريشة ، أغمض عينية ، ثم أنشد نشيدة القديم :
اطلع ياجبار
خارج الدار
هذا أمر الأخيار
نداء خدام سيدك الرفاعي منقذ الديار
فإذا هو ثعبان طويل مستبد بطلعته يسعي بين الخوص الجاف المرصوص فوق جريد النخل المستعرض الذي يكسو سطح السقيفة ، فأحدث جلبة رقيقة ، تهادي من أعلي السطح إلي جدار الطوب اللبني المتعرج 0ذلك ماشهدتة الخالة حليمة دون أن تنطق بكلمة ، لكنها راحت تلم طرحتها حول رقبتها ، بينما ظل الحاوي يشمر كمي جلابيتة ويشير بعصاه موجها الثعبان الهابط بتعرج 0أسفل الجدار التف الثعبان حول نفسه متكوما ، ثم أخرج رأسه من كومته المحكمه ساحبا بقية جسدة خلفه ، والتي انفردت تلقائيا ، زاحفا تجاه الحاوي 0
مابين الثعبان الزاحف مأمورا والحاوي الذي أذعن لأمره الثعبان ، وقفت الخالة حليمة تفرد تقوس ظهرها منغمسة في الحلبة ، وجهها يتعرج ضيقا ، فأشارت إلي الثعبان بسبابتها منشدة :
نوحا في السفينة
محمد جوه المدينة
الله يحمينا
من كل دبيبة
أو حية تأذينا
تلك اللحظة التي انتهت لتوها الخالة حليمة من إنشادها الذي هز الحاوي ، كان الثعبان يلف حول نفسه حافرا بلوبيته ، فغطس في الدائرة الترابية التي كونها بالتفافه ، انفلت متحركا مغيرا اتجاهه 00بهت الحاوي الذي بلع ريقة بصعوبة ، وشرع عصاه التي كانت قد خمدت نارها عند الأرض ، حين رفعها ثانية ناحية الثعبان الزاحف بوعية بعيدا عنه فناداه بقوة :
-ارجع ياجبار
تزامن انشاد الخالة حليمة للمرة الثانية ، وبكل طاقتها المسنونة داخلها ، مع نداء الحاوي المتقطع فجعل الثعبان يتلوي فوق أرضية السقيفة ذات التراب الناعم ، مكونا خطوطا ثعبانية 0الصمت العميق يقهره فحيح الثعبان المكتوم 0لما انتهي كل منهما من انشادة الحتمي ، استطال الثعبان بكل عضلاتة الملفوفة ، وزحف موجها ، طائعا ناحية الجدار الطوبي غائرا في فوهة أحد الجحور المظلمة0
ارتكنت الخالة حليمة إلي الزير ثم شربت منه 00ظل الحاوي يتقدم بحذر ناحية الجحر المختبيء فيه الثعبان شاهرا عصاه :
-اخرج لخدام سيدك الرفاعي
خرج الثعبان برأسه يفح فاتحا فمه الوحشي في وجه الحاوي الذي ارتد مقهورا للوراء 0مسافة مرسومة بخطوط ثعبانية تتجلي أمام الحاوي ، بين الحائط الذي ولج داخله الثعبان ، وبين الحائط الآخر الذي استند إليه الحاوي بجانب الخالة حليمة التي عادت لاستقرارها الانفرادي ، تنتظر نتيجة الصراع القائم بين الحاوي والثعبان 0وقت مضي علي احتدام المشهد الذي ملأ السقيفة فحيحا ، بلل العرق إبطي الحاوي وامتد حتي صدره ، رؤوس الجيران ممطوطة لأسفل تشاهد الحدث من عل0
هو بعينه جالس وبصره يمتد للأمام يحفر في الجحر المختبيء فيه الثعبان ، وعصاه خامدة أمامه منهكة 00بينما أغمضت الخالة حليمة عينيها في اطمئنان 00نهض الحاوي بنصف جسدة ، زحف بركبتية ناحية الجدار الثعباني مرددا بإلحاح :
-أخرج ، أخرج ياجبار 0
خرج الثعبان برأسه مرتفعا لأعلي مزمجرا ، حاول الانقضاض علي عصا الحاوي الذي ارتد للوراء والخوف يبلله ، عادت الخالة حليمة من غفوتها وصاحت في الحاوي الذي كاد الثعبان أن يفتك به 00استقر الثعبان في الجحر ، وقف الحاوي مبتعدا ، التقط "الجروية" وحملها فوق كتفه ، الجموع الأخري التي كانت متراصة أمام البيت عندما خرج الحاوي ، رجعت للوراء متناثرة حين فتح غطاء الجروية ، ثم دلق الثعابين التي جمعها من بيوت النجع ، فانفردت زاحفة ، مصوبة في كل اتجاه ، وجموع الناس تفر من أمامها ، فأنشد علي الفور نشيد الخالة حليمة :
نوحا في السفينة
محمد جوة المدينة
الله يحمينا
من كل دبيبة
أو حية تأذينا
رجعت الثعابين المتفرقة التي فردت لنفسها متسعا رحبا لانهائي للسيطرة علي النجع ، تجمعت بزحف هاديء وقور ناحية الجدار الخارجي لبيت الخالة حليمة ثم ولجت مستقرة مطمئنة في جحورة0