اللهم سبحانك يا من خلقتنا ورزقتنا ، وفضلتنا على سائر خلقك بعقول وعواطف ومشاعر وجلعت لنا من أنفسنا أزواجا وجعلت بيننا مودة ورحمة وجعلت بر الوالدين من رضاك وعقوقهما من سخطك وبغضك وقد وصيتنا بهما حيث قلت يا من جل شأنك { وقضى ربك ألا تعبدوا إلا إياه وبالوالدين إحساناً} فلو علم العاق مبلغ جنايته على والديه ما استطاع أن ينظر مع جريمته إلى أحد فالعقوق داء فاتك يفتك بصاحبه ويفصم روابط المودة ويسخط الرحمن فصدق خير الأنام فعن ابن عمر رضي الله عنهما أن رسول الله صلى الله عليه وسلم قال( رضا الرب في رضا الوالدين وسخطه في سخطهما) وما انتشر العقوق في مجتمع إلا دل على ضعف الإيمان وموت الضمائر وعدم محاسبة النفوس فمن كان له أبوان فليهنأ بهما، وليحرص عليهما، وليسع جهده في إرضائهما ؛لأنه أُوتي سعادة الدنيا والآخرة 0ومن فقد أحدهما فقد خسر نصفهما ، فليحرص على نصفها الآخر قبل أن يزول 0ومن فقدهما فلا ينسهما من دعواته وصدقاته
فإن من عصى والديه أذله الله وأخزاه ، فالجنة عز وسبيلها البر والنار ذل وسبيلها العقوق والعصيان0
ولنعلم أنه لو أنصف الأبناء آباءهم لما تركوهم يمشون على الأرض ولغسلوا أقدامهم بدموع عيونهم، ولفرشوا لهم الورود في طريقهم ، ولجعلوا من عيونهم مساكن لهم ولأحاطوهم بفيض مشاعرهم وصدق أحاسيسهم ، ولجعلوا رضاهم غاية سعادتهم ومطلبهم ومرادهم فعن جابر رضي الله عنه قال خرج علينا رسول الله صلى الله عليه وسلم فقال
يا معشر المسلمين إياكم وعقوق الوالدين فإن ريح الجنة توجد من مسيرة ألف عام والله لا يجد ريحها عاق)
فيا من قابل الإحسان بالإساءة ونكران الجميل ويا من هان عليه والديه وقدّم عليهما أهله وأولاده في الإحسان وقابلت أياديهما بالنسيان، وصعب لديك أمرهما وهو يسير وطال عليك عمرهما وهو قصير وهجرتهما ومالهما سواك نصير ، وقد نهاك ربك عن التأفف { فلا تقل لهما أف ولا تنهرهما} وعاتبك في حقهما بعتاب لطيف ستعاقب في دنياك بعقوق البنين وفي آخرتك بالبعد من رب العالمين يوم يناديك بلسان التوبيخ والتهديد ( ذلك بما قدمت أيديكم وأن الله ليس بظلام للعبيد)0
فعندما تحترم الوالدين تدوم المودة مع الدعاء لك بالفلاح والصلاح مما يكون سببا في قدرتك على التعايش مع مجتمعك عيشة هنيئة متكيفا مع أقرانك محترما لنفسك والأخرين فرضا الرب ثم الوالدين يجلبان لك رضا الناس واحترامهم لك0
فمن لايحترم الناس لايحترموه؛ واحترام الآخرين دلالة على تربيتك وعلى طيب أصلك ومعدنك (فالدين المعاملة) ( والمسلم من سلم المسلمون من
لسانه ويده) فكم من أُناس لم يجدوا لهم معين وقضوا حياتهم كساقط المتاع وكالجمل الجرب المطلي بالقار وما ذاك إلا لبعدهم من قلوب الناس لعدم احترامهم لما يجب عليهم من احترام لكل من يظهر لهم المحبة وصدق الولاء فلم يجدوا للسعادة طعما لأن الخُلق الحسن هو الطريق الموصل إلى التعايش مع الناس والتكيف معهم فالوالدان هما من يمدان حبال التواصل وغرس مباديْ المحبة والاحترام في نفوس الأبناء منذ نعومة الأظفار عن طريق التوجيه وتحبيبهم في صلة الإخوان فعن عبد الله بن عمر قال: سمعت رسول الله صلى الله عليه وسلم يقول( من أحب أن يصل أباه في قبره فليصل إخوان أبيه من بعده) فيا أيها الأبناء : عليكم بآبائكم فالحياة دين ووفاء والجزاء من جنس العمل وكما تدين تدان فاحترامك لذاتك وبرك بوالديك يوصلك إلى بر الأمان وعلى الله التكلان 0 وبالله التوفيق0