ويمضي شهيد... قصة غدر الشهيد/ ناهض النمر
هذه مأساة الشهيد المغدور الشيخ الداعية ورجل الإصلاح ناهض النمر "أبو محمد"، ثمانية وأربعون عاما، وأب لخمسة أولاد وثلاثة بنات، أصغر أطفاله يبلغ ثلاثة أعوام، جريمة بشعة واغتيال بدم بارد وفاجعة لا يتصورها العقل يرويها لنا ابنه "محمد":
أفاق أبي عند الساعة الرابعة من مساء يوم الأربعاء 16/5/2007، أُذِن لصلاة العصر توضأ ودعانا جميعا إلى الصلاة معه في جماعة، لم يكن يدرك أنها آخر عهده بالدنيا. ولا زالت أخواتي بلباس الصلاة دُقَّ الباب بعنف أفزعنا، اقتحموا المنزل بطريقة همجية لا أخلاقية مرعبة وعاثوا في محتوياته خرابا وشدوا والدي من ذراعه قائلين: "نريده خمس دقائق"، كلمات مخيفة وقعت في قلوبنا كالصاعقة فهذه الدقائق الخمس قد تعني النهاية الأبدية.
بدأنا بالصراخ والاستغاثة، حاول أبي تهدئتنا وهو الصارم الشديد الصلب، نزل معهم إلى حيث باب البرج الذي نسكنه بالقرب من المنتدى وأمام منزل رئيس الوفد الأمني المصري برهان حماد في برج بيروت، انطلقنا إلى الشرفة وحدنا نصرخ ونستغيث ونتصل بمن ينجدنا وينقذ أبي من براثن الهمجيين القتلة، ولكن دون فائدة.
نزل أخي الصغير همام 16 سنة وصرخ في وجوههم إلى أين تذهبون بأبي أيها المجرمون.. أفزعوه وهددوه بأسلحتهم وعاد إلينا، لحق القتلة به وعددهم يزيد عن العشرين واقتحموا الشقة مرة أخرى بصورة أكثر بشاعة وجنونا وهمجية، ثبتونا جميعا في غرفة الصالون وبدأوا في تفتيش المنزل بل تخريبه وسرقة كل محتوياته الذهب والأموال وأجهزة الحاسوب والجوالات.
حاولت اعتراضهم فهددوني بالقتل وصوبوا أسلحتهم إلى رؤوسنا وأخذوا يتلفظون بألفاظ بذيئة وسخة خارجة عن تقاليد شعبنا ودينه الحنيف، ثم نزلوا أسفل البرج وأخذوا والدي إلى جهة مجهولة وبدأ الخوف والرعب والترقب يدب في أوصالنا خشية أن يصيبوا أبانا بأذى، فجأة رن جرس الهاتف ليخبرنا أحدهم أن والدي موجود بمستشفى الشفاء.
خرجت مسرعا مفزوعا إلى مستشفى الشفاء وبالتحديد إلى ثلاجات الموتى والقتلى، وكانت الصاعقة، أبي ممدد وفي جسده الطهر أكثر من خمسين رصاصة اخترقت عباءته التي لف بها نفسه ولا يرتدي تحتها إلا ملابس المنزل، فقد منعوه من ارتداء ملابسه إذلالا وإهانة له رحمه الله، ووجدت آثار تعذيب بشع وشديد في معظم أنحاء جسده، أنزل الله تعالى عليَّ السكينة والصبر والجلد، لففت عباءته التي طالما ارتداها وهو في مهمة إصلاح بين الناس، قبلت جبينه الطاهر الندي وفي قسمات وجهه غضب وشكوى إلى الله المنتقم من الظالمين السفاحين القتلة الذين قتلوه لأنه يقول ربنا الله، فهو متدين مستقيم وطني شريف داعية مشهود له بالخير، فماذا أملك بعد ذلك إلا أن أكِلَ أمري إلى الجبار المنتقم، وأقول "حسبنا الله ونعم الوكيل".